تكتب نسرين مالك أن ما يُسمّى بوقف إطلاق النار في غزة لا يبدو أكثر من “تقليل للنيران”، بينما تواصل إسرائيل هجماتها شبه اليومية على القطاع، في مشهد يخفض مستوى التدقيق العالمي بدلًا من أن يوقف العنف فعليًا. تصف الكاتبة واقعًا يزداد سوءًا، وترى أن الحقيقة الواضحة الآن تكشف مخططًا أوسع للهيمنة الدموية لا يقتصر على غزة، بل يمتد إلى أنحاء فلسطين والمنطقة المحيطة بها.

 

تشير الجارديان في سياق المقال إلى أنّ الأرقام بعد وقف إطلاق النار تكشف حجم المأساة المستمرة؛ إذ قُتل أكثر من 300 شخص خلال تلك الفترة، وجُرح ما يقارب الألف، بينما بقيت المستشفيات خارج الخدمة، وعاشت آلاف العائلات في خيام متهالكة تواجه المطر والبرد دون مأوى حقيقي أو إمدادات كافية، بعدما منعت السلطات الإسرائيلية دخول آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية.

 

غزة بين وهم الهدوء وواقع العقاب الجماعي

 

تصوّر منظمات إنسانية المرحلة الحالية في غزة بوصفها “وهمًا خطيرًا” عن عودة الحياة إلى طبيعتها. تسمح السلطات الإسرائيلية بدخول قدر محدود من المساعدات، لكن تمنع كميات أكبر من المياه والغذاء والأدوية والخيام. يعيش السكان في حالة فراغ مؤلم، فلا بيوت تعود، ولا أمن يتحقق، ولا شروط حياة طبيعية تتشكل. هكذا يبقى القطاع معلقًا في فراغ قاسٍ، وتفرض إسرائيل سيطرة شبه مطلقة دون محاسبة حقيقية.

 

ترى الكاتبة أن هذا الوضع يرقى إلى شكل مستمر من العقاب الجماعي، ويحوّل غزة إلى مساحة تخضع لإرادة واحدة، تحرم أهلها من أبسط مقومات الحياة.

 

الضفة الغربية.. من القمع إلى الحصار

 

تتسع الدائرة إلى الضفة الغربية، حيث يتصاعد القمع منذ 7 أكتوبر 2023 ويتحول تدريجيًا إلى حصار عسكري كامل. تُجبر آلاف العائلات على مغادرة منازلها، وتصف منظمات حقوقية ما يحدث باعتباره جرائم حرب وتطهيرًا عرقيًا يستوجب التحقيق والملاحقة.

 

تظهر مقاطع مصوّرة لجنود إسرائيليين وهم يقتلون فلسطينيين بعد استسلامهم في جنين، ويحظى هؤلاء بدعم سياسي علني من أطراف يمينية متطرفة داخل الحكومة. خلال العامين الماضيين، قُتل أكثر من ألف فلسطيني على يد الجيش والمستوطنين، وكان الأطفال واحدًا من كل خمسة ضحايا. ترتفع أيضًا هجمات المستوطنين إلى مستويات غير مسبوقة، في ظل إفلات شبه كامل من المحاسبة.

 

في السجون، يواجه الأسرى أوضاعًا توصف بالجحيم، بين تعذيب وإهمال طبي، بينما يخرج من ينجو منهم محمّلًا بشهادات قاسية عن سوء المعاملة.

 

سوريا ولبنان.. تمدد القوة بلا حدود واضحة

 

لا يتوقف المشهد عند الأرض الفلسطينية. تشن القوات الإسرائيلية توغلات داخل جنوب سوريا، وتقتل مدنيين، بينهم أطفال، دون تقديم معلومات واضحة عن أهداف العمليات. تتهم منظمات حقوقية إسرائيل باتباع نمط استعماري معروف: تهجير قسري، مصادرة بيوت، هدم ممتلكات، وقطع مصادر الرزق، مع نية معلنة للبقاء طويل الأمد في المناطق التي تسيطر عليها.

 

في لبنان، ما يزال عشرات الآلاف نازحين منذ الحرب الماضية، بينما تتكرر الغارات الإسرائيلية بالرغم من اتفاقيات تهدئة معلنة. تحتفظ إسرائيل بمواقع عسكرية تطلق منها هجماتها، ويسجل الجيش الدولي آلاف الانتهاكات الجوية والبرية. يقع المدنيون مرة أخرى في قلب دائرة الخطر، وتبقى حياتهم معلقة بين خوف دائم وغياب أفق واضح للسلام.

 

أي سلام يمكن أن يولد من هذا الواقع؟

 

تسأل الكاتبة: أي نوع من “وقف إطلاق النار” هذا؟ وأي “وضع راهن” يمكن اعتباره قابلًا للاستمرار؟ تجيب أن ما يحدث هشّ ومتقلب ولا يحمل أي بذور لسلام حقيقي، لا في فلسطين ولا في الشرق الأوسط الأوسع.

 

تتكرر على ألسنة الساسة عبارات إعادة الإعمار والتهدئة المرحلية، لكن الواقع اليومي يقول غير ذلك. ترى مالك أن المستقبل الذي يتحدثون عنه لن يولد أبدًا ما دامت الانتهاكات الإسرائيلية على أراض لا تملك حقًا قانونيًا فيها مستمرة بلا توقف. الوهم بعودة الحياة إلى طبيعتها لن يطول، وسينهار أمام الحقيقة القاسية المنتشرة من غزة إلى الضفة الغربية، ومنها إلى سوريا ولبنان، في مشهد إقليمي يتجه نحو مزيد من الاضطراب بدلًا من الاستقرار.

 

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/dec/01/gaza-west-bank-syria-lebanon-israel-ceasefire